التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أوركسترا الانجاز

 



توقفت عن الكتابة لفترة طويلة، ولم أتوقف عن مشاركة ما أعرف دائمًا، إلا أن لصناعة المقالات شرارة من نور لا يُستعاض عنها. أجد أنني اليوم أملك نضجًا إداريًا أكثر وعيًا وقدرة على رؤية الأمور بشكل شمولي. عملي خلال الثلاث السنوات الأخيرة أكسبني خبرة عميقة، مليئة بالتناقضات وفرص معايشة العديد من قفزات التطوير والتحسين التنظيمي. علّمتني وما زالت تعلّمني كثيرًا، وسأحاول أن أترك درسًا مما أتعلمه في كل مقال.

سأتحدث في هذا المقال عن ما تعلمته من تعريف "العمل العظيم"، وهو عمل يتسم بالتشاركية في التنفيذ وتوحيد الجهود نحو وجهة طموحة. لا يمكن أن يكون عملاً فرديًا، وإن كان بالعادة قائده دائمًا شخصية قيادية مميزة كفرد، شخصية تمتلك مهارة التوازن بين الطموح العالي والتدرج في إدارة مستويات الأداء المختلفة. العمل العظيم يشبه كثيرًا معزوفة موسيقية مميزة خالية من النشاز، كما قدّم بيتهوفن وما يقدمه إلى الآن عمر خيرت. تناغم عالٍ بين العازفين على كل الآلات الموسيقية، شركاء بأعلى معايير الجودة المتاحة من مهندسي صوت وإضاءة وأعمال فنية. ولكي يكون أحدهم عازفًا مع بيتهوفن، فقد عزف كثيرًا وتميّز بشخصه كثيرًا أيضًا لكي يكون إضافة ذهبية بدوره الفردي ضمن المجموعة.

يُسمى التناغم العالي في منشآت الأعمال "تواصل فعال". هذا التواصل لا يكون بالضرورة نتيجة للهياكل التنظيمية التقليدية التي تقسّم الإدارات والأدوار بشكل معزول، مما قد يؤدي إلى قوقعة فريق العمل في إجراءات داخلية لا يرون من المهم أن تتصل بالوحدات التنظيمية الأخرى. مفتاح التواصل الفعال في المنظمات هو بناء الفكر التشاركي والمكاسب المشتركة، وخلق البيئة المناسبة للخروج بحلول مبتكرة توسع قاعدة المستفيدين. كما أن بناء المنافع المتبادلة يأتي نتيجة لشبكات الثقة التي تحكم الأعمال، مثل أتمتة الإجراءات وتنفيذها دائمًا بنفس الاحترافية، ووضع آليات المحاسبة وضمان الشفافية، وإصدار التقارير الدورية التي تعكس النتائج وتوضح فجوات التنفيذ وتعالج التحديات بكل شفافية.

كما أن العمل مع أفضل الشركاء الخارجيين يُسمى في عالم المنشآت "إدارة سلاسل الإمداد". الأعمال العظيمة تأخذ في الحسبان أن تكون كل قنوات الإمداد لها مميزة، فتعمل على تحفيز الشركاء الخارجيين لتقديم أفضل ما لديهم، وعلى انتقاء أفضل العاملين داخليًا لتولي إدارة هذا العمل. وتحرص كذلك على أن يكون للمجتمع دور في الإنجاز. الأعمال العادية أو غير العظيمة تؤدَّى من الشخص أو الإدارة ذات الاختصاص، وتحرص على توثيق اعتماد المخرجات على جداول وقوالب معتمدة من صاحب الصلاحية، إنما لا تعي مسؤولية انعكاس النتائج على الأعمال بشكل شمولي ثم على مجتمع المنشأة وعلى الاقتصاد.

لاحظت أيضًا سمة مشتركة تميز أعضاء الفريق الذين يساهمون في خلق أعمال عظيمة عن غيرهم، وهي أنهم يوجهون تركيزهم على النتائج والمنفعة العامة قبل الأدوار. يرسمون النتيجة التي يطمحون لها ثم يقسمون الأدوار، حينما ينشغل غيرهم بتفصيل الأدوار وفقًا لقدرات الفريق ومنها يوثقون المخرجات المتوقعة. فريق العمل العظيم يستخدم الأرقام والبيانات لخلق لغة مشتركة بين أعضاء الفريق وشركائهم الخارجيين لقياس التقدم، وتصحيح الخطط ورفع مستوى الطموح إن أمكن. ويتجنبون بحرص تطويع الأرقام وتوظيفها لسد خانات التقصير في تأدية الأدوار.

من هنا أقول إن الأعمال كثيرة، إلا أن "العمل العظيم" الذي يترك أثرًا إيجابيًا في المنشأة والاقتصاد والمجتمع، يبدأ من الداخل وينضج. من داخل الفريق بتميز أفراده، ومن داخل المنشأة بالتواصل المحفّز ثم الفعّال، ومن داخل مشروع العمل بتجويد سلاسل الإمداد وإشراك كافة أصحاب المصلحة. وبقائد قد مارس التميز والتواصل وتجويد معارفه مما انعكس على حضوره، لكي يكون بحد ذاته قائدًا مميزًا.


نشرت هذه المقالة في صحيفة مال


بتاريخ 27 نوفمبر 2024

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جدة ... من جد زعلانة !!

أنشئت المدونة منذ مدة .. أعتقد 3 أشهر .. كنت دائما أسأل نفسي .. ما الذي يمكن أن أكتببه هنا؟ وبأي فكرة ولأي سبب .. ما الذي أكون قد أضفته .. لكن اليوم .. بعد تجربة خمسة أيام مضت منذ السبت 5-12-2009 إلى اليوم الأربعاء 9-12-2009 .. أجد أن برأسي ألف فكرة ... بوجهة فكر واحدة !! أحترت من أين أبدأ .. روح التعاون الرائعة .. متعة العمل التطوعي .. ابتسامة الضمير الذي يقدم خيرا لا يقصد به إلا التأكد من رؤية ابتسامة المحتاج .. النية الطيبة التي يدعمها الله في يد الجماعة .. أم أعكس واقع الضمير المخدر .. ابتسامة الزيف .. هول الكارثة .. منظر الدمار .. فقد الأرواح .. كسرة نفس المحتاج .. عبوس "القائمين عليها" !! كنت في البداية بعيدة نوعا ما عن "قلب الحدث" .. وابتداء من يوم السبت المذكور طرقت "قلب الحدث" وأكتشفت أنه "موجوع" بالفعل .. سيول مدينة جدة يوم التروية من عام 1430 هـ .. كانت مأساوية، مدمرة "لكل ما أعترض طريقها" وكأنها تعلن ثورتها على الضمير المخدر والعين التي لا تبصر .. ! مرت بواديها بعنف .. تؤنبه .. وحالها يق...

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

سيدو .. فلتسكن روحك أفسح الجنان ..

لم يكن اسطورة ! ولم يشارك في صنع التاريخ ! وليس له يد في "زيادة استهلاك " هذه الأمة ... إنما كان صانعا أساسيا "لنمو سعادتي" لم يكن عالم ذرة ! ولم يسعى لجائزة نوبل! ولم يعلم عن تأثير الكواكب على الأرض .. لكنه كان دائماً عالماً "بحالي" .. سائلا المولى أن يسخر لي مافي السماء والأرض .. كان لابتسامتي "مؤشر" رضا لقلبه .. وكان يراني "وجه الخير" .. كان يستبشر بي .. وترضى نفسه إذا ما عرف ان دعوة له أُجيبت يسأل فيها "مالك السموات والأرض" أن يرزقني ما أتمنى .. لم يكن سيد القوم .. لكن كان سيد القلب .. لم يكن شيخ الحارة .. إنما كان فؤاد "العيلة" .. لم يكن صانع المجد .. إنما كان عمار الطمئنينة .. (سيدو) ... عزائي في فقدك .. احتفال السماء والأرض بك .. كانت تسابقنا الأرض وتسرع لفتها حول الشمس كي تضمك في قلبها بحنان الأم .. وكانت السماء تغني بإسمك وترقص بروحك طرباً .. لتلقى الحي القيوم .. إلا أنني أنا .. يا (سيدو) . .. اشتقت لصوتك وأنت تخبرني أنك "أحسن مني" إذا ما سألتك ...