التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خبرة المنظمة، لا علاقة لها بسنة التأسيس!


 

 

تختلف المنظمات في عكس خبرتها أمام العامة، من خلال التعامل مع عملاءها أو شركاءها أو الموردين، تجد نفسك أحيانا أمام منشأة تتلافى أخطاءها ولا تكررها حتى أنها تنتقل بك إلى مستويات متقدمة من التعامل المثمر والناجح، وفي بعض الأحيان تجد أنك تستنكر أبسط التصرفات التي تسبب اخطاءً في تنفيذ الأعمال تعكس جهل المنظمة على الرغم من خبرتها الطويلة على الأوراق وفقاً لسنة التأسيس، لماذا هذا التباين؟ هل يعود ذلك إلى قائد المنظمة فقط ، توجهاته ورؤيته؟ أم أن هناك سمات وملامح وأدوار أساسية تتميز بها المنظمات المتعلمة. هذا ما سأتناوله في هذا المقال.

المنشأة المتعلمة، هي التي تحتفظ بسنوات المعرفة والخبرة التي مرت على مكاتبها وبين معاملاتها ومن خلال محاضر إجتماعاتها، لا أقصد بذلك أبداً ان تملك المنظمة نظام أرشفة إلكتروني قوي، وإن كان هذا ضرورياً، إلا أن ما أشير له هنا هو المعارف المتراكمة وليس الوثائق، الخبرات والتجارب وليس عروض التقديم، التعلم المستمر وليس دورات التدريب.

تتسم المنظمة  التي تتمكن من إدارة معارفها وتعزيز عمليتها التعليمية بأن تكون مرنة قادرة على الإنتقال من المشكلة إلى الحل أو الحلول برشاقة، تتسم بأنها منظمة تتحول من مستوى معرفي إلى آخر بتوجه مستدام وسليم، لا تسعى للتغير لهدف التغير إنما تتحول في نشاطها وتتميز كما يحدث لليرقة التي تطير كفراشة بعد تجربة الشرنقة، تتحول كلها، بكل إداراتها وأقسامها، لا يقتصر تطورها على القسم الذي يواجه العملاء أو على الإدارة التي تدير الأصول وتحرك الإستثمار مثلاً دون غيرها من الأقسام. تطير كل المنشأة كفراشة تحلق برشاقة بكل أجزاءها. و لنعرف كيف يمكن لهذه المنشآت أن تحقق هذه الرشاقة في التعلم والإستفادة من عقول العاملين فيها أكثر من نظام أرشفة المعاملات، سأدرج خمس أنشطة أساسية تحقق هذا الهدف، مهما كان فريق عمل هذه المنظمة كبيراً أو صغيراً.

أولاً : تشجيع جلسات الدروس المستفادة، أن يجتمع فريق العمل بعد الإنتهاء من مشروع محدد لمناقشة الدروس المستفادة من النجاح أو الفشل، أن يعمل المشاركون في التنفيذ بكافة مستوياتهم الإدارية على تحليل العمل المنجز، ومشاركة التجارب واستعراض طرق العمل المستخدمة، والتي يعتقد الفريق أنها هي السبب في النجاح أو في الفشل. ويخرج الفريق بوثيقة تحدد أهم النقاط التي يجب ان لايتم إغفالها للوصول لنجاح لأي مشروع مشابه، وأهم جوانب التحسين أيضاً التي تساعد في عدم تكرار الفشل.

ثانياً: خلق الأمان الوظيفي، يجب أن لا ترتبط هذه الرحلة المعرفية بتقييم العاملين في المنشاة أبداً، وعلى القائد أن يعزز الأمان الوظيفي للفريق بنسب عالية جداً، فيؤكد بإستمرار أن تبادل المعارف ومناقشة الأخطاء بعيد كل البعد عن الشخصنة وأن لا علاقة لأي خطأ بقدرات العاملين، ويؤكد أن مشاركتهم بمناقشة أخطاء العمل هو لغرض تلافيها مستقبلاً وليس لمحاسبة أو لوم أي شخص، بيئة عمل المنشآت المتعلمة تعزز بإيجابية عالية مناقشة الأخطاء وليس المخطئين، تعزز التعلم والخروج بحلول مبتكرة لمعالجة التحديات أكثر من التركيز على المتسببين.

ثالثاً: نشر ثقافة التجريب (تكرار التجربة أكثر من مرة)، التعلم من التجربة، أن يترك القائد دائماً مجال التجريب للعاملين قبل إتخاذ قرار إعتماد الفكرة أو المشروع، أن لا يواجه الفكرة برأيه الشخصي أو خبرته، ويطلب من مقدمها أن يقدم نتائج تجربتها، على عينة من العملاء أو من خلال تخيل تنفيذها كاملة بكل جوانبها وأثر ذلك على المنشاة وعملاءها، على أن يناقش الفريق نتائج التجربة للمشاركة في صنع القرار اللازم.

رابعاً: خلق ثقافة الفضول، تدار الإجتماعات بالأسئلة أكثر من التوجيه، يناقش القائد فريق العمل دائماً من خلال طرح الأسئلة التي تثير فضولهم وتشجعهم على السعي لاستكمال جوانب صناعة القرار ، ويستخدم دائماَ لماذا؟ وكيف ؟ ومتى ؟ وما هو رأيك؟ قبل اتخاذ القرار النهائي.

خامساً: مشاركة منظمة أخرى في رحلة المعرفة، من أكثر الأدوات جدوى في تعزيز ثقافة المعرفة هي أن تشارك جهة أخرى–مهما كان مجال عملها أو نشاطها بعيداً- في  خلق فعاليات معرفية بين فريقي العمل، يمكن أن يكون ذلك من خلال لقاءات دورية لمناقشة أحدث أدوات الإدارة أو مواضيع الاقتصاد ذات العلاقة ، تعقد بصفة غير رسمية وتهدف بالأساس لزيادة الحصيلة المعرفية لدى فرق العمل في الجهتين.

خلاصة القول، لا تقاس معرفة وخبرة المنظمات بعمرها وفق سنة التأسيس، إنما بالخبرات والمعارف المتراكمة لدى عقول العاملين فيها. وأهم معزز لتنمية هذه المعارف هو بيئة العمل التي تتقبل الخطأ وتعتبره فرصة معرفية جديدة لكل العاملين. والنتيجة، منشأة تتسم بالإيجابية والتقبل والتعاون، تجد نفسك دائماً سعيداً بالتعامل مع خدماتهم أو منتجاتهم أو حتى عندما تشارك في أحد الاجتماعات بوجود فريق عملهم.

 

نشرت هذه المقالة في صحيفة مال :

 https://www.maaal.com/node/158697 


نادية العامودي

13-9-2020

 

  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جدة ... من جد زعلانة !!

أنشئت المدونة منذ مدة .. أعتقد 3 أشهر .. كنت دائما أسأل نفسي .. ما الذي يمكن أن أكتببه هنا؟ وبأي فكرة ولأي سبب .. ما الذي أكون قد أضفته .. لكن اليوم .. بعد تجربة خمسة أيام مضت منذ السبت 5-12-2009 إلى اليوم الأربعاء 9-12-2009 .. أجد أن برأسي ألف فكرة ... بوجهة فكر واحدة !! أحترت من أين أبدأ .. روح التعاون الرائعة .. متعة العمل التطوعي .. ابتسامة الضمير الذي يقدم خيرا لا يقصد به إلا التأكد من رؤية ابتسامة المحتاج .. النية الطيبة التي يدعمها الله في يد الجماعة .. أم أعكس واقع الضمير المخدر .. ابتسامة الزيف .. هول الكارثة .. منظر الدمار .. فقد الأرواح .. كسرة نفس المحتاج .. عبوس "القائمين عليها" !! كنت في البداية بعيدة نوعا ما عن "قلب الحدث" .. وابتداء من يوم السبت المذكور طرقت "قلب الحدث" وأكتشفت أنه "موجوع" بالفعل .. سيول مدينة جدة يوم التروية من عام 1430 هـ .. كانت مأساوية، مدمرة "لكل ما أعترض طريقها" وكأنها تعلن ثورتها على الضمير المخدر والعين التي لا تبصر .. ! مرت بواديها بعنف .. تؤنبه .. وحالها يق...

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

سيدو .. فلتسكن روحك أفسح الجنان ..

لم يكن اسطورة ! ولم يشارك في صنع التاريخ ! وليس له يد في "زيادة استهلاك " هذه الأمة ... إنما كان صانعا أساسيا "لنمو سعادتي" لم يكن عالم ذرة ! ولم يسعى لجائزة نوبل! ولم يعلم عن تأثير الكواكب على الأرض .. لكنه كان دائماً عالماً "بحالي" .. سائلا المولى أن يسخر لي مافي السماء والأرض .. كان لابتسامتي "مؤشر" رضا لقلبه .. وكان يراني "وجه الخير" .. كان يستبشر بي .. وترضى نفسه إذا ما عرف ان دعوة له أُجيبت يسأل فيها "مالك السموات والأرض" أن يرزقني ما أتمنى .. لم يكن سيد القوم .. لكن كان سيد القلب .. لم يكن شيخ الحارة .. إنما كان فؤاد "العيلة" .. لم يكن صانع المجد .. إنما كان عمار الطمئنينة .. (سيدو) ... عزائي في فقدك .. احتفال السماء والأرض بك .. كانت تسابقنا الأرض وتسرع لفتها حول الشمس كي تضمك في قلبها بحنان الأم .. وكانت السماء تغني بإسمك وترقص بروحك طرباً .. لتلقى الحي القيوم .. إلا أنني أنا .. يا (سيدو) . .. اشتقت لصوتك وأنت تخبرني أنك "أحسن مني" إذا ما سألتك ...