التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الرشاقة تحتاج لتمارين .. حتى في القيادة



النجاح والتميز والوصول للأهداف هو همّ كل منشأة، حكومية كانت أو خاصة، إلا أنه لا يخفى على أحد صعوبة ذلك في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية وارتفاع تكاليف الحياة، وتعقيدات رفع الانتاجية مقابل خفض التكاليف، تواجه المنشآت عوائق التقدم في ظل الفوضى، والعمل على رفع كفاءة العاملين في ظل ارتفاع تكاليف الكوادر الجيدة. تحاول دائما كل منشأة أن تعزز استثماراتها وتحد من الهدر سواء في المال أو الجهد أو "الوقت"! يتوقع الكل من المنشأة أن تستطيع أن تكون احترافية وفي نفس الوقت مرنة، جاذبة للعاملين وفي نفس الوقت متحكمة في التكاليف، والمعادلة الحقيقة ليست بالسهولة التي تبدو عليها أبدا. من هنا بدا مؤخراً الحديث عن "القيادة الرشيقة" “Agile Leadership”   التي يمكنها احداث التغير السريع والتي تملك كوادر متأهبة للاستجابة، تملك الوعي والصلاحيات، تؤمن خططاً بديلة وتسير وفق خطة مدروسة. في هذا المقال أود الاشارة إلى أن الرشاقة، تأتي بعد التمرين المنتظم والمتدرج، وتعكس كياناً متماسكاً يتحرك ككتلة خفيفة وثابتة. وان خلاف ذلك لايمكن تفسيره "كقيادة رشيقة" إنما إلى حد كبير "هزيلة" . 
ماهي تمارين القيادة الرشيقة المتوقع أن يمارسها القادة؟ ترتكز على 3 أنشطة أساسية، ولا مانع من قليل من الممارسات الخفيفة التي تعكس الالتزام والجدية كالاستيقاظ مبكراً دائماً، والتركيز  على النظرة الإيجابية، والسعي لنقل المعرفة.  النشاط الاول هو ممارسة "التمييز التشغيلي" ، حيث يتمرس القائد على مهارات معرفة العميل الحقيقي للمنشأة وأن لايخلط أبدا بين العميل وأصحاب المصلحة، أن ينصت لملاحظات العميل ويستطيع معرفة الخلل التشغيلي الحقيقي الذي تحقق معالجته ان يصل بالمنشأة لإرضاء العميل، ويميز بعد التمرس، الفرق بين خدمة العميل وتلبية توقعاته. التميز التشغيلي يعني أن يعمل القائد  وفق لخطة منتجة ومنطقية تتضح فيها حدود المسآءلة وإدارة الآداء. النشاط الثاني للقائد الرشيق هو التمرس على التعامل مع البيانات، توفر البيانات بدون استخدام جيد، يوازي نقص البيانات تماماً. التمرس على التعامل مع البيانات يحقق للذهن انتقاء اللازم والسعي للحصول عليه، وثم تطويره. لاداعي أبدا ان نضع لوحة التحكم الموجودة امام مقود الطائرة في السيارات العامة، ولايمكن ان نسلم الطائرة لقائد مهما كان محترفا إن لم تكن كل الخانات في لوحة تحكم الطائرة سليمة. النشاط الثالث والأهم هو "إدارة فرق العمل" قائد الفريق هو شخص مارس ادارة المهام بين فرق عمل متعددة واستطاع توزيع الأدوار وتحفيز الأشخاص وشحن الهمم على الوصول للأهداف كثيراً، تمرس على الأدوات التي تحقق المصلحة لكل الأطراف، واستطاع أن يجد للفريق روح وللأشخاص بوصلة توجه الجهود، قائد الفريق المتمرس عمل كثيرا على تحديد الأولويات وتحمل مسؤولية ذلك. 
كما أن الجسد الرشيق هو عبارة عن عضلات مشدودة متكاملة ويمكنها العمل سويا بتناغم عالي للانتقال الخفيف والسريع من مكان لآخر، نجد ان القيادة الرشيقة للمنظمة هي عبارة عن  مجموعة من الأشخاص القادة المتمرسين يمكلون الوعي الكامل الذي يحقق تناغم حركتهم ككيان واحد للانتقال من خطة لأخرى أو من توجه لتوجه. الانشطة السابق ذكرها هي لتمرين القائد على أن يكون رشيقا، ووجود عدد من هؤلاء مجتمعين يحقق مفهوم "المنشأة الرشيقة" ككيان واحد. المنشأة الرشيقة تتعلم من أخطاءها ولا تكررها، تعمل كثيرا وتخطئ كثيرا، لكن لا تكرر الخطأ إلا نادرا. المنشأة الرشيقة ينصت فيها كل الأطراف لبعضهم لتحقيق التناغم في الحركة والاستجابة السريعة. المنشأة الرشيقة تعرف أهدافها القصيرة معرفة تامة، وتتفق كل أطرافها على الاهداف الطويلة، تعرف المنشأة الرشيقة مايجب أن تفعل ومايجب أن "لاتفعل" أيضا. وكما أن الرشاقة البدنية ليست هدفا إنما اسلوب حياة، فإن مفهوم المنشأة الرشيقة ليس استراتيجية مكتوبة إنما فرق عمل تنبض بالأفكار. وكما أن للجسد الرشيق مؤشرات تعكس قدرته على الحركة، فإن للمنشأة الرشيقة كذلك معايير جودة في المخرجات يجب أن تتابعها باستمرار لتحديد مكامن الحاجة لزيادة جرعات التمرين لأحد "عضلاتها" او بالأصح فرق عملها. 
الرشاقة ثقافة، انتشارها في المنشآت يعني الحد من البيروقراطية وتمكين فرق العمل من صناعة القرار، تعني تناغم وتواصل مستمر بين اعضاء الفريق والفرق المختلفة، تعني قنوات معرفة سلسلة ومفتوحة لنقل الخبرات بين اعضاء المنشأة بكل مستوياتهم. وكما أن الرشاقة تبدو ظاهرة على الأبدان ولايمكن لشخص أن يدعي الرشاقة وآثار الدهن وخمول السكر يعتريه، لايمكن للمنشآت كذلك أن تدعي الرشاقة في حين تبدو فجوات الإدارة وتنافر فؤق العمل على مخرجاتها. لذلك فإن "القيادة الرشيقة" هي نتيجة تمارين مستمرة صعبة ومتدرجة ومستدامة. وكذلك "نظام إدارة صحي ومرن ومتوازن".

نشرت 11فبراير 2020 في صحيفة مال الالكترونية : 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جدة ... من جد زعلانة !!

أنشئت المدونة منذ مدة .. أعتقد 3 أشهر .. كنت دائما أسأل نفسي .. ما الذي يمكن أن أكتببه هنا؟ وبأي فكرة ولأي سبب .. ما الذي أكون قد أضفته .. لكن اليوم .. بعد تجربة خمسة أيام مضت منذ السبت 5-12-2009 إلى اليوم الأربعاء 9-12-2009 .. أجد أن برأسي ألف فكرة ... بوجهة فكر واحدة !! أحترت من أين أبدأ .. روح التعاون الرائعة .. متعة العمل التطوعي .. ابتسامة الضمير الذي يقدم خيرا لا يقصد به إلا التأكد من رؤية ابتسامة المحتاج .. النية الطيبة التي يدعمها الله في يد الجماعة .. أم أعكس واقع الضمير المخدر .. ابتسامة الزيف .. هول الكارثة .. منظر الدمار .. فقد الأرواح .. كسرة نفس المحتاج .. عبوس "القائمين عليها" !! كنت في البداية بعيدة نوعا ما عن "قلب الحدث" .. وابتداء من يوم السبت المذكور طرقت "قلب الحدث" وأكتشفت أنه "موجوع" بالفعل .. سيول مدينة جدة يوم التروية من عام 1430 هـ .. كانت مأساوية، مدمرة "لكل ما أعترض طريقها" وكأنها تعلن ثورتها على الضمير المخدر والعين التي لا تبصر .. ! مرت بواديها بعنف .. تؤنبه .. وحالها يق...

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

سيدو .. فلتسكن روحك أفسح الجنان ..

لم يكن اسطورة ! ولم يشارك في صنع التاريخ ! وليس له يد في "زيادة استهلاك " هذه الأمة ... إنما كان صانعا أساسيا "لنمو سعادتي" لم يكن عالم ذرة ! ولم يسعى لجائزة نوبل! ولم يعلم عن تأثير الكواكب على الأرض .. لكنه كان دائماً عالماً "بحالي" .. سائلا المولى أن يسخر لي مافي السماء والأرض .. كان لابتسامتي "مؤشر" رضا لقلبه .. وكان يراني "وجه الخير" .. كان يستبشر بي .. وترضى نفسه إذا ما عرف ان دعوة له أُجيبت يسأل فيها "مالك السموات والأرض" أن يرزقني ما أتمنى .. لم يكن سيد القوم .. لكن كان سيد القلب .. لم يكن شيخ الحارة .. إنما كان فؤاد "العيلة" .. لم يكن صانع المجد .. إنما كان عمار الطمئنينة .. (سيدو) ... عزائي في فقدك .. احتفال السماء والأرض بك .. كانت تسابقنا الأرض وتسرع لفتها حول الشمس كي تضمك في قلبها بحنان الأم .. وكانت السماء تغني بإسمك وترقص بروحك طرباً .. لتلقى الحي القيوم .. إلا أنني أنا .. يا (سيدو) . .. اشتقت لصوتك وأنت تخبرني أنك "أحسن مني" إذا ما سألتك ...