شاركت الأسبوع الماضي في ورشة عمل أقامتها منظمة العمل الدولية ILO في بيروت حول "العمل اللائق للمرأة" لمدة ثلاث أيام، شارك في الورشة أغلب دول الإقليم العربي "مصر ليبيا الجزائر تونس المغرب البحرين اليمن الكويت الأردن فلسطين لبنان"، كان تجمع كل هذه الدول تحت سقف واحد، يمثل كل دولة أحد افراد شعبها، حدثا مميزا يعكس أن "الناس هم أساس أي تنمية"، خرجت من هـذه الأيام الثلاث بكم من النتائج والقراءات حول الأوطان والشعوب والأفراد، وحاولت أن أرى السعودية بين كل هذه الدول، وسعيت لأن أتصور كيف نصل لذلك الوطن المأمول لكل مواطن عربي.
عكس المشاركين صورا لأوطانهم في تلك الورشة. من مصر، شارك ثلاث سيدات ناشطات متنوعات وعلى اتفاق في نفس الوقت، تحدثن عن تدهور الحراك في نص الدستور الجديد، إلا أن لمعة أعينهن تؤكد أن الخير لابد أن يأخذ مكانه ولو بعد حين. ومن تونس ألقت أكاديمية ورقة عمل لدراسة مقارنة حول حال الوطن العربي قبل وبعد "الربيع"، وسردت النصوص التشريعية التي تغيرت بعد الثورات والحكومات الجديدة وخلصت بأن تقول : "تونس ومصر، مسار ثوري أنتج دساتير رجعية، المغرب: مسار اصلاحي سلمي أنتج دستور تقدمي". أما من ليبيا، فقد كانت المشاركة تنضج بالحيوية والإصرار والقدرة على السير قدما لبناء وطن جديد. بشكل عام، يواجه العالم العربي تحد واضح ومفترق طرق في العديد من القضايا التنموية وعلى رأسها قضية مشاركة المرأة، يتمثل هذا التحدي في : العادات والتقاليد – التوجهات السياسية المختلفة – الحالة الاقتصادية للدولة – عاطفية المواطن العربي التي تحد من تشكيل رأيه وتوجهه بمنطقية وواقعية أكثر – وقناعات المرأة نفسها بأهمية مشاركتها في الحراك التنموي.
الجدير بالملاحظة، أن كل المشاركات والمشاركين وحتى القائمين على الورشة كانت ترتسم على وجوههم دهشة واسعة وفي أعينهم سيل من الأسئلة بسبب وجود "امرأة سعودية" ضمن المشاركين، تفاوتت استفساراتهم -منطوقة وغير منطوقة- بين حرية التنقل والمشاركة في الحراك التنموي والمظهر الخارجي انتهاء "بقيادة السيارة". لن أخفيكم أنني كنت سعيدة وأنا أتحدث عن حراك ايجابي تشهده المرأة السعودية في الآونة الأخيرة، وعن تقدم متوازي بين الشعب السعودي والتشريعات. كنت أفتخر بالحديث عن نماذج سعودية من سيدات ورجال أثبتوا أن همهم هو تنمية وطنهم من خلال بناءهم أنفسهم ليكونوا على قدر هذه المسئولية، كنت أيضا سعيدة بحجم التغير الايجابي من الجانب التشريعي فيما يخص مشاركة المرأة، عضويتها في مجلس الشورى – مشاركتها القادمة في الانتخابات البلدية – انتشارها الواسع في مجالات العمل المختلفة. كما أنني رأيت يقينا أن وطني يملك عددا أساسيا من مقومات التنمية، رصد ميزانيات كبيرة للمجالات الرئيسية من تعليم وصحة وضمان اجتماعي وغيرها هو أحد أهم احتياجات التنمية، ومن الجانب الآخر تفاعل المسؤولين في الدولة ورجالها من وزراء وأعضاء مجلس شورى بالتأكيد يشكل الذراع الأساسي لتنمية المواطن ثم الوطن، لا ينفي ذلك تقصيرهم في بعض الأحيان، إلا أنهم أصبحوا فعلا أكثر تجاوبا مع المجتمع من خلال شبكات التواصل الاجتماعي مثلا. وكما أن أي تنمية تعوِّل على شبابها، فإن الشباب في السعودية يملك فرصة الاستثمار في نفسه من خلال الابتعاث للتعليم، ومن خلال فرص العمل التي تدعم من قبل صناديق التنمية الحكومية، كل هذا من شأنه أن يشكل كتلة شبابية تنموية مستدامة قادمة للبناء والتعمير. لا أخفي أيضا أنني اليوم على اطلاع بما قد يشكل عائقا أمام التنمية الوطنية، لن أقول أن تيارا بعينه هو العائق ولن أقول أن تصرفا فرديا هو السبب، بل العائق الذي يقف عثرة أمام كل سبيل تنمية هو أنا وأنت وكل "فرد" ينتمي لهذا الوطن، إن مسيرة التنمية تكتمل عندما يؤمن كل منّا أنه حجر أساس فيها، وعندما يعمل كل منّا على أن يجعل من نفسه "مواطن يبني" ويحافظ على ما تم بناءه في طريق الوصول لمصاف العالم المتقدم.
من خلال الورشة، أيقنت أن صورة الوطن الذي يحلم به أي مواطن عربي تتمثل في "أرض سلام وتعايش وبناء"، وطن يسمح لكل فرد -مهما كانت خلفيته أو قناعته- أن يجد مساحته وينطلق في تطوير ذاته ومكتسباته، هؤولاء الأفراد هم نواة تكوين المجتمع، حكومة وشعب. بناء هذا "المواطن الفرد" وتوفير مقومات الحياة الكريمة له من : صحة وتعليم وخدمات، هي حلقة تنمية دائرية لا يسبق فيها أمر الآخر، مقومات الحياة نتيجة للمواطن السليم، والمواطن السليم هو نتاج مقومات الحياة الكريمة. لذلك فإن وطن يحلم به الفرد العربي لأبناءه يجب أن يبدأ اليوم ببناء الفرد السليم والذي سيكون نتيجة ونتاج لوطن "عظيم".
انتهت الورشة وقد تشكلت قناعتي وأُثبتت بالشواهد، أن القضية الأساسية هي "الإنسان" قبل كل التفريعات التي تحدد نوعه وجنسه ومعتقده وتياره. وأن مقومات بناء هذا الإنسان متوفرة لدى السعودية في هذه الفترة حيث "القدرة على التمويل، والمسؤول المتجاوب -ولو إلى حد ما- مع شبكات التواصل الالكترونية والاجتماعية، والشباب"، إن لم يستغل الشباب هذه الفرصة في بناء الوطن الحلم، من خلال التعليم والتجربة والعمل ورفع مهارات "الأفراد" ووعيهم، فإننا نهدر الكثير من أعمارنا وأعمار أبناءنا أيضا.
نادية العامودي
9-2-2013
تعليقات
إرسال تعليق