التخطي إلى المحتوى الرئيسي

زيادة الجرعة، يُفقد الحياة!

كتبت في مقال سابق أن الحرية قرار شخصي بالدرجة الأولى، عنيت عندها بـ"قرار" أنه تتم صناعته من قبل الشخص، ولا يمنح أو يهدى أو ينتظر شرعنة أي شخص آخر أو جهة. إنما التشاريع والقوانين والتقاليد هي لكي تحد من مساحة تصرف الشخص أو تزيدها، وبرأيي لا علاقة لها بـ"حرية" هذا الشخص، هي حتى لا تساهم في صناعة أجيال حرة بانفتاحها ولا أجيال مقيدة بقيودها. استطرادا لذاك المقال أردت اليوم أن أسلط الضوء على أن "الجرعة الزائدة" من القيود أو من الانفتاح لها سلبياتها التي تخالف سنن الحياة، والتي لا علاقة لها بـ "حرية" الشخص أو المجتمع.

إن المجتمعات التي تتسم بـ "الجرعة الزائدة" من القيود تحمل في عباراتها ترديد أنها مجتمعات تحد أو حتى تمنع- حدوث الخطأ، وتسعى لتوحيد السلوك حماية للمجتمع، وتحافظ على الأصالة وعلى التقاليد. في حين أن "زيادة جرعة" القيود ضرت هذه الرسالة الأفلطونية ولم تؤدي بواقع الأفراد إلا لمزيد من التشدد الذي يمنع عنهم الحياة، ولضيق الأفق الذي يسد عن أفكارهم الهواء، وللكبت الذي جعل منهم قنابل موقوتة مستعدة للانفجار!. كما أن تشكيل مجتمعات من هؤولاء الأفراد جعل منها مجتمعات ضاعت فيها القيم السليمة واستبدلت بالتقاليد مهما تهالكت، مجتمعات طمست هوية الفرد، وافتقرت لكل مداخل الإبتكار والتطوير والإبداع.

في حين أن المجتمعات التي تتسم بـ "الجرعة الزائدة" من الانفتاح تحمل في عباراتها ترديد أنها مجتمعات تحمي الحرية الشخصية لكل شخص، وتقبل الآخر مهما كان اختلافه، وإنها تدعو للإبتكار والإبداع. إلا أن "زيادة جرعة" الانفتاح ضرت هذه الرسالة البيكادلية ولم تؤدي بواقع الأفراد إلا لمزيد من التوهان عن معنى الحياة، ولتعييم الصورة الحقيقية للحياة بابتكار صور ملونة عديدة حولها وليس عنها، وأدت للمجاهرة بالشذوذ أيا كان نوعه أو مقصده تحت شعار الحرية الشخصية!. كما أن تشكيل مجتمعات من هؤولاء الأفراد جعل منها مجتعات ضاعت فيها القيم السليمة واستبدلت بشعارات تدمير كل الحدود، مجتمعات ضاعت فيها سمة الجماعة، وسهلت كل سبل الانفلات.

وهنا، أشير لأن هذه الحياة لها سنن، لا تبديل لها، كل ما على الأفراد والمجتمعات هو فهمها واستيعابها للوصول لحياة كريمة متوازنة، هذه السنن من طبيعتها أن لها حدود، تتمثل ابسطها، مثلا، في أن لا نبتة ستزهر إلا في تربة خصبة، ولا يمكن أن أنادي تحت شعار "حرية النبتة" أن تزهر في أي تربة مهما جدبت!. كذلك فإن "الحرية" وفقا لسنن الحياة، هي فكر ناضج يبدأ بالقرار وينمو بالتجربة والتمرس ويتكون بالحكمة وينعكس بالتصرف. ممثلا أفرادا وشعوبا رسالتها أكثر وعيا، وسلوكها أكثر إصلاحا في الأرض. ومن الجدير بالذكر أيضا، أن القوانين ليست سنن، إنما هي من وضع الأفراد، تعكس نضجهم ووعيهم، فهي في بعض المجتمعات أقل نضجا من الملتزمين بها، فلا يكون منهم إلا التحايل عليها، وفي مجتمعات أخرى تبدو القوانين أنضج بكثير من الملتزمين بها، فتهمش ولا ينتفع بها.


قد "يعيش" الناس في أي مجتمع، لكن لكي لا يفقد الناس"الحياة" ويحيوها، عليهم أن يفهموا سننها ويتقنوا التعامل معها. كالأرض التي تخضر إذا ما تمت فلاحتها، تحتاج للماء والهواء والنور بحدود، و بدون "جرعة زائدة"، لكي تكون نتيجة الفلاحة أرض مخضرة. كذلك النفس البشرية التي تقرر أن تحيا بحرية، تحتاج الانفتاح والاطلاع والتمرس في الحياة بعدد من الحدود، و بدون "جرعة زائدة"، لكي تكون نتيجة القرار نفس حرة ناضجة.

نادية العمودي

نشرت في جريدة البلاد

http://www.albiladdaily.net/?p=7444

بتاريخ ١٥-٨-٢٠١١

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جدة ... من جد زعلانة !!

أنشئت المدونة منذ مدة .. أعتقد 3 أشهر .. كنت دائما أسأل نفسي .. ما الذي يمكن أن أكتببه هنا؟ وبأي فكرة ولأي سبب .. ما الذي أكون قد أضفته .. لكن اليوم .. بعد تجربة خمسة أيام مضت منذ السبت 5-12-2009 إلى اليوم الأربعاء 9-12-2009 .. أجد أن برأسي ألف فكرة ... بوجهة فكر واحدة !! أحترت من أين أبدأ .. روح التعاون الرائعة .. متعة العمل التطوعي .. ابتسامة الضمير الذي يقدم خيرا لا يقصد به إلا التأكد من رؤية ابتسامة المحتاج .. النية الطيبة التي يدعمها الله في يد الجماعة .. أم أعكس واقع الضمير المخدر .. ابتسامة الزيف .. هول الكارثة .. منظر الدمار .. فقد الأرواح .. كسرة نفس المحتاج .. عبوس "القائمين عليها" !! كنت في البداية بعيدة نوعا ما عن "قلب الحدث" .. وابتداء من يوم السبت المذكور طرقت "قلب الحدث" وأكتشفت أنه "موجوع" بالفعل .. سيول مدينة جدة يوم التروية من عام 1430 هـ .. كانت مأساوية، مدمرة "لكل ما أعترض طريقها" وكأنها تعلن ثورتها على الضمير المخدر والعين التي لا تبصر .. ! مرت بواديها بعنف .. تؤنبه .. وحالها يق...

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

سيدو .. فلتسكن روحك أفسح الجنان ..

لم يكن اسطورة ! ولم يشارك في صنع التاريخ ! وليس له يد في "زيادة استهلاك " هذه الأمة ... إنما كان صانعا أساسيا "لنمو سعادتي" لم يكن عالم ذرة ! ولم يسعى لجائزة نوبل! ولم يعلم عن تأثير الكواكب على الأرض .. لكنه كان دائماً عالماً "بحالي" .. سائلا المولى أن يسخر لي مافي السماء والأرض .. كان لابتسامتي "مؤشر" رضا لقلبه .. وكان يراني "وجه الخير" .. كان يستبشر بي .. وترضى نفسه إذا ما عرف ان دعوة له أُجيبت يسأل فيها "مالك السموات والأرض" أن يرزقني ما أتمنى .. لم يكن سيد القوم .. لكن كان سيد القلب .. لم يكن شيخ الحارة .. إنما كان فؤاد "العيلة" .. لم يكن صانع المجد .. إنما كان عمار الطمئنينة .. (سيدو) ... عزائي في فقدك .. احتفال السماء والأرض بك .. كانت تسابقنا الأرض وتسرع لفتها حول الشمس كي تضمك في قلبها بحنان الأم .. وكانت السماء تغني بإسمك وترقص بروحك طرباً .. لتلقى الحي القيوم .. إلا أنني أنا .. يا (سيدو) . .. اشتقت لصوتك وأنت تخبرني أنك "أحسن مني" إذا ما سألتك ...