التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قوم لا يتطهرون!

لفت نظري عنوان قصة قصيرة لمحمد كامل حسين "قوم لا يتطهرون"، وعلق ببالي فترة طويلة، إلى أن استمعت اليوم لمن يقول" جا شهر الصوم، صوموا تصحوا" وكان شخصا على خصام مع الصحة منذ زمن، تنبهت عندها لكل العبادات التي شرعت لتطهر الانسان وحياته، إلا أن "القوم لا يتطهرون"!. ورأيت الناس تعتقد وتؤمن بعقائد، وتقوم بتأدية عبادات ونوافل، للفوز بالحياة الدنيا الكريمة والآخرة ونعيمها، إلا أن واقع دنياهم يخالف ذلك، كثيرا!.

ألم تأتي كل الديانات السماوية برسالة التوحيد والخروج من عبادة الأوثان إلى عبادة "الواحد الأحد"، والرسالات بدعوة الإسلام وتسليم الآخرين من الأذى والعدوان؟ ومن الناس من آمن بالغيب والنبوات. وأدى الصلاة والصوم والزكاة كعبادات. وحرص على النوافل كالصدقة وصلاة الاستخارة والابتسامة.

كان كل ذلك، في بداية الأمر، لكي تتخلص أنفس الناس من الاستعباد للطغاة أو للأوثان، وأن تتجه بدعاءها لله "لا شريك له". وأن تكفل للبشرية بإسلامها حياة السلام من خلال تعايشهم على الأرض على الرغم من اختلافاتهم، وحرصهم على الخير العام وكف الأذى. وبإيمانهم، تطمئن القلوب ولا تشغل النفس إلا فيما فيه صلاح أمر الدنيا، إيمانا بأن الغيب بيد الله، وأن بناء الحاضر هو المسؤولية. فتكون الصلاة لتصل الناس بالإله وليكونوا أقوى من الفحشاء والمنكر فلا يأتوها، ويكون الصوم محققا لتناسق تواجد الناس مع كل الكون، كأنه صمام أمان لصحتهم، وزكاة الأموال كي لا تكون دولة بين الأغنياء من الناس، فيشقى الفقراء. وأن الناس إذا احتاروا في أمر من أمور دنياهم يلجأون إلى الله ليستخيروه فيما فيه خير، فلا يندمون ويتوكلون، على أن أمرهم شورى بينهم، فيحرصون على اكتساب المعرفة والعلوم اللازمة فلا يتواكلون. وتحقق الصدقة للفقراء والمساكين عيش كريم بعزة نفس وإباء. فتكون حتى الابتسامة فيما بين الناس صدقة تعكس رضاهم ورضوان الله عليهم.

إلا أن واقع الأمر غير ذلك، فكر الاستعباد مازال يستوطن عقول أغلب الناس وعزة الشهادة بالوحدانية لا تبدو على سيماهم، والقلق المستمر على اليوم والغد والحال بالمجمل والتفصيل لا يشير لاستيعاب هؤلاء الناس معنى الإيمان بالغيب أبدا، كما أن العنصرية الواضحة والانقسامات التي لا تعد، والتحسس الشديد للفروقات بين الناس وبعضهم، واستعدادهم لبذل الغالي والنفيس على أن تزداد رقعة طابعهم على الأرض، لا تعكس أبدا "سلاما" يحمله هذا الإيمان. وعلى الرغم من تزايد مرتادي بيوت الله في كل بقاع الأرض، إلا أن ازدياد الفحشاء والمنكر يشير لخلل في "وصل" النفس لتقوى على زيادة الخير والإحسان. كما أن شدة بُعد النفس عن نسق الكون جعلت من الصيام، على طريقة هذه الأيام، عامل إضافي لزيادة المرض والهوان عند الكثير من الناس. حتى أن الأموال ما زالت دولة بين الأغنياء، على الرغم من إقامة مؤسسات خاصة تعمل على استخراج الزكاة من بعض الأغنياء والمستضعفين!. كما تكثر بين الشباب والشياب عبارات الندم على ما فات والسخط واللوم على الآخرين، كأن توكلهم على الله لم يوازيه آداء دورهم وسعيهم في الأرض، أو أن سعيهم في الأرض لم يوازيه توكلهم على الله واستنارتهم به. لم أرى الصدقات تزيد الفقراء إلا فقرا وهوانا، وسخطا. فلم تمثل الابتسامة، في الواقع، رضا ورضوان إنما عكست استهتارا وتواكل.


رأيت عندها كم غابت مقاصد العقائد والعبادات والنوافل، وضاقت في حدودها، فلم تعد سبيلا لتطهير نفوس الناس، على قدر ما أصبحت عادات تختلف من شعب لآخر في مظاهرها. فلم تصبح العبادة بقصد تطهير النفس من كل شائبة تعيق "السلام" على الأرض وفي السماء، بقدر ما هي استمرار "لما وجدنا عليه آباءنا".لا يكون التطهر بالعبادات إلا بمراحل تدرب فيها النفس على درجات الإطمئنان والتسليم، كما أن لكل نفس ما يخصها لكي تطهر وترقى، فيكون ذلك إما بالعبادات أو بالحب أو بالحكمة والعقل، وما يعني المرء في دنياه هو تطهير نفسه والارتقاء بها بأي طريقة تلائمها.

سأعود لقصة محمد كامل حسين، مستقصية قصده من ذلك العنوان "قوم لا يتطهرون" الذي زلزل أمامي صورا كانت ثابتة. وجعلني أرى الفرق بين الظاهر والمضمون كالفرق بين الضوء والنور!

نادية العمودي

نشرت في جريدة البلاد

http://www.albiladdaily.net/?p=5084


بتاريخ 1-8-2011

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جدة ... من جد زعلانة !!

أنشئت المدونة منذ مدة .. أعتقد 3 أشهر .. كنت دائما أسأل نفسي .. ما الذي يمكن أن أكتببه هنا؟ وبأي فكرة ولأي سبب .. ما الذي أكون قد أضفته .. لكن اليوم .. بعد تجربة خمسة أيام مضت منذ السبت 5-12-2009 إلى اليوم الأربعاء 9-12-2009 .. أجد أن برأسي ألف فكرة ... بوجهة فكر واحدة !! أحترت من أين أبدأ .. روح التعاون الرائعة .. متعة العمل التطوعي .. ابتسامة الضمير الذي يقدم خيرا لا يقصد به إلا التأكد من رؤية ابتسامة المحتاج .. النية الطيبة التي يدعمها الله في يد الجماعة .. أم أعكس واقع الضمير المخدر .. ابتسامة الزيف .. هول الكارثة .. منظر الدمار .. فقد الأرواح .. كسرة نفس المحتاج .. عبوس "القائمين عليها" !! كنت في البداية بعيدة نوعا ما عن "قلب الحدث" .. وابتداء من يوم السبت المذكور طرقت "قلب الحدث" وأكتشفت أنه "موجوع" بالفعل .. سيول مدينة جدة يوم التروية من عام 1430 هـ .. كانت مأساوية، مدمرة "لكل ما أعترض طريقها" وكأنها تعلن ثورتها على الضمير المخدر والعين التي لا تبصر .. ! مرت بواديها بعنف .. تؤنبه .. وحالها يق...

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

سيدو .. فلتسكن روحك أفسح الجنان ..

لم يكن اسطورة ! ولم يشارك في صنع التاريخ ! وليس له يد في "زيادة استهلاك " هذه الأمة ... إنما كان صانعا أساسيا "لنمو سعادتي" لم يكن عالم ذرة ! ولم يسعى لجائزة نوبل! ولم يعلم عن تأثير الكواكب على الأرض .. لكنه كان دائماً عالماً "بحالي" .. سائلا المولى أن يسخر لي مافي السماء والأرض .. كان لابتسامتي "مؤشر" رضا لقلبه .. وكان يراني "وجه الخير" .. كان يستبشر بي .. وترضى نفسه إذا ما عرف ان دعوة له أُجيبت يسأل فيها "مالك السموات والأرض" أن يرزقني ما أتمنى .. لم يكن سيد القوم .. لكن كان سيد القلب .. لم يكن شيخ الحارة .. إنما كان فؤاد "العيلة" .. لم يكن صانع المجد .. إنما كان عمار الطمئنينة .. (سيدو) ... عزائي في فقدك .. احتفال السماء والأرض بك .. كانت تسابقنا الأرض وتسرع لفتها حول الشمس كي تضمك في قلبها بحنان الأم .. وكانت السماء تغني بإسمك وترقص بروحك طرباً .. لتلقى الحي القيوم .. إلا أنني أنا .. يا (سيدو) . .. اشتقت لصوتك وأنت تخبرني أنك "أحسن مني" إذا ما سألتك ...