التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحرية، قرار شخصي بالدرجة الأولى


إن من الجدير بالانتباه، أن أكثر المطالبين بالحرية، والمشتكين من جور «الحبس» أيا كان نوعه، لا يحاولون حتى التعرف على قيودهم، أو مقيديهم. تجدهم يصنعون من الشعارات ما يطالب بالحرية، في حين أنهم لا يعرفون حقيقة قيودهم، ولا ما يصبون إليه من خلال «فك» تلك القيود. مالا يرونه، وما أناقشه في هذا المقال، هو أن «الحبس» في حقيقته لا يعدوا أن يكون قيودا يفرضها الانسان على نفسه أو قيودا يفرضها عليه مجتمعه وأن السبيل الوحيد للخروج من هذا «الدهليز» هو قرار شخصي يخضع، بالدرجة الأولى، لإرادة الانسان وتعطشه لما وراء جدران سجنه.

إن أول ما يقيد الإنسان، هو تلك القيود التي يضعها هو على نفسه، سواء كانت على شكل قناعات شخصية، أو على شكل خوف من اللامعلوم وجهل بمترتباته. تتكون القناعات لدى الإنسان إما توارثيا من خلال البيئة المحيطة، أو اكتسابا من خلال تجاربه الشخصية المحدودة. تعتبر القناعات احد الأطر التي يفرضها الإنسان حول نفسه إذا ما كان لها قدسية كبيرة، تجرم تطويرها أو معاصرتها. كما أن الخوف والجهل من أهم الأسباب التي تقيد تجارب الإنسان، وتحد من انطلاقه نحو الحياة. انطلاقة الإنسان نحو الحياة، هي طريق الحرية الذي تصبو له النفس بفطرتها، وأدوات تلك الانطلاقة هي التسلح بالمعرفة المخالفة للجهل، والجسارة المخالفة للخوف. بالتالي، فإن الإنسان الذي يتغلب على قدسية قناعاته ويتسلح بالمعرفة لمواجهة الخوف، يكون قد خطا خطوات في طريق الحرية.

كما ان منشأ الإنسان ضمن مجتمعات معينه - كالمجتمعات العربية- يفرض عليه عددا من القيود، تبدأ من الأسرة التي تزرع نواة القناعات لديه، وتصل هذه القيود إلى ما يعرف كمسلمات في المجتمع؛ كالعنصرية أو مظاهر التدين المتطرفة. فنجد أن نواة القناعات التي تبنى عليها حياة الإنسان، تبدأ من الأسرة، كفرض قيود تجعل معاملة الأنثى، مثلا، معاملة من الدرجة الثانية، قناعة يبنى عليها سلوك أفراد الأسرة ككل. ناهيك عما يسلم به المجتمع ولا يرى حجم تأثيره على حرية الفرد، كالعنصرية المقيتة التي تصنف الأشخاص بناء على انتماءاتهم وبالتالي، تحد من حريتهم في خوض مجالات الحياة بحثا عن الفرص وخوضا للتجارب التي تبني الإنسان. في حين أن ما يشكل أشد القيود على الإنسان هو ما يفرض باسم الدين؛ كالتطرف، وتضييق دائرة الانتماء، والحد من التأمل والتفكر والاستنتاج وصولا لليقين.

نستنتج من كل ذلك، أن وعي الإنسان بحقيقة قيوده سواء كانت شخصية أو مجتمعية، يمكنه من تجاوز تلك القيود من خلال المعرفة والتجربة والإطلاع. حينها، يجد الإنسان أن حريته هي، بالدرجة الأولى، قرار يتخذه بنفسه، عندما يختار أن يحررها من الجهل والخوف والقناعات البالية، عندما يجنبها كل أشكال العنصرية واستخدام اسم الدين ضد مصلحة الناس، عندما يعلم يقينا أن مصادر المعرفة والتعلم وطرق الحياة تتجاوز «ما وجدنا عليه آباءنا»، بل وقد تتجاوز ما هو متوفر أمامنا. بعد ذلك، يكون سلوك الإنسان سلوكا حرا وغير مقيد، تعود نفسه لفطرتها الحرة قبل أن تقيدها تراكمات بالية من المعتقدات. وإذا ما اتسعت دائرة السلوك من فرد إلى أفراد، يبدأ المجتمع، عندها، بالتشكيل من جديد من خلال أنفس حرة ترتفع توقعاتها وأفعالها لمصاف الشعوب المتحضرة والمبدعة.

حرية الشعوب، تبدأ بتحرير الإنسان نفسه من قيودها، ومن ثم تنطلق لتكون شعوبا حره. كما أن العكس ،بالتأكيد، صحيح، انعدام حرية الشعوب، يبدأ بالدرجة الأولى، من تقيد الإنسان نفسه، إلى أن تختفي لتكون شعوبا مقيدة.



نادية العامودي


نشرت بجريدة البلاد :

http://www.albiladdaily.net/?p=1578


بتاريخ 11-7-2011م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جدة ... من جد زعلانة !!

أنشئت المدونة منذ مدة .. أعتقد 3 أشهر .. كنت دائما أسأل نفسي .. ما الذي يمكن أن أكتببه هنا؟ وبأي فكرة ولأي سبب .. ما الذي أكون قد أضفته .. لكن اليوم .. بعد تجربة خمسة أيام مضت منذ السبت 5-12-2009 إلى اليوم الأربعاء 9-12-2009 .. أجد أن برأسي ألف فكرة ... بوجهة فكر واحدة !! أحترت من أين أبدأ .. روح التعاون الرائعة .. متعة العمل التطوعي .. ابتسامة الضمير الذي يقدم خيرا لا يقصد به إلا التأكد من رؤية ابتسامة المحتاج .. النية الطيبة التي يدعمها الله في يد الجماعة .. أم أعكس واقع الضمير المخدر .. ابتسامة الزيف .. هول الكارثة .. منظر الدمار .. فقد الأرواح .. كسرة نفس المحتاج .. عبوس "القائمين عليها" !! كنت في البداية بعيدة نوعا ما عن "قلب الحدث" .. وابتداء من يوم السبت المذكور طرقت "قلب الحدث" وأكتشفت أنه "موجوع" بالفعل .. سيول مدينة جدة يوم التروية من عام 1430 هـ .. كانت مأساوية، مدمرة "لكل ما أعترض طريقها" وكأنها تعلن ثورتها على الضمير المخدر والعين التي لا تبصر .. ! مرت بواديها بعنف .. تؤنبه .. وحالها يق...

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

نادية خالد العمودي لـ هي : أعيش حياة بسيطة وأؤمن بأن لكل مشكلة حل

سيدو .. فلتسكن روحك أفسح الجنان ..

لم يكن اسطورة ! ولم يشارك في صنع التاريخ ! وليس له يد في "زيادة استهلاك " هذه الأمة ... إنما كان صانعا أساسيا "لنمو سعادتي" لم يكن عالم ذرة ! ولم يسعى لجائزة نوبل! ولم يعلم عن تأثير الكواكب على الأرض .. لكنه كان دائماً عالماً "بحالي" .. سائلا المولى أن يسخر لي مافي السماء والأرض .. كان لابتسامتي "مؤشر" رضا لقلبه .. وكان يراني "وجه الخير" .. كان يستبشر بي .. وترضى نفسه إذا ما عرف ان دعوة له أُجيبت يسأل فيها "مالك السموات والأرض" أن يرزقني ما أتمنى .. لم يكن سيد القوم .. لكن كان سيد القلب .. لم يكن شيخ الحارة .. إنما كان فؤاد "العيلة" .. لم يكن صانع المجد .. إنما كان عمار الطمئنينة .. (سيدو) ... عزائي في فقدك .. احتفال السماء والأرض بك .. كانت تسابقنا الأرض وتسرع لفتها حول الشمس كي تضمك في قلبها بحنان الأم .. وكانت السماء تغني بإسمك وترقص بروحك طرباً .. لتلقى الحي القيوم .. إلا أنني أنا .. يا (سيدو) . .. اشتقت لصوتك وأنت تخبرني أنك "أحسن مني" إذا ما سألتك ...