إن من الملفت جدا،هذه الأيام، استخدام العديد من المسؤلين الإداريين لعبارات ومفاهيم في غير محلها. فمثلا، تتردد عبارة «اللي فات مات» على التهاون في محاسبة المقصريين، بنية طيبة، خوفا من قطع الأرزاق! في حين أن الصورة الحقيقة تتطلب الحفاظ على "الحق المهدور" درعا لعواقب التهاون، بنية سليمة، خوفا من "قلة البركة". إلا أن الظاهرة، الأكثر لفتا للنظر، والتي بدأت تظهر مع ظهور محاولات الإصلاح والتطوير هي إلباس مظاهر الفساد الإداري، العديد من «برانيط» الاحترافية وأساليب الإدارة الحديثة. حيث يعتقد بعض المسؤولين أن تكييف هذه الأدوات الإدارية مع ما هو حاصل أصلا في إداراتهم، هو معالجة للفساد! إلا أنه تصرف لا يتعدى أن يكون تغليفاللفساد بورق مستورد، لن يؤدي إلى الوصول لمصاف "العالم الأول"، أبدا .
فللفساد الإداري في المنشآت العامة والخاصة مظاهر واضحة، ولست اتحدث هنا عن مشكلات الاختلاس أوالسرقات، ولا كل ما يؤول إلى الإتلاف. انما الذي أشير إليه، هو الممارسات التي لا يقصد بها فسادا، في حين أنه هو الحاصل. الممارسات التي تأتي من "نية طيبة" ينقصها لتحقيق الهدف المنشود "بناء الخبرة" وليس نسخها. كتلك التي تتمثل في إتخاذ القرارات الخاطئة، والإهمال والتقاعس، والتخلي عن المسؤولية. فقرارات لا تمت بصلة للهدف الأساسي للمنشأة تعتبر خاطئة، القرارات التي تولي المسؤولية لغير الأكفاء، خاطئة. القرارت التي تسعى لحلول مؤقتة، تهدر المال والوقت والجهد، بالتأكيد قرارات خاطئة. كما أن تعطيل الإنجاز والتسويف، يعتبر تقاعسا وإهمالا، حتى وإن كان بمسمى «لجنة تطويرية لدراسة الإتقان». ولا يمكن اعتبار التملص من العمل إلا تخلياعن المسؤولية.
في حين أن مفاهيم أدوات الإدارة الحديثة التي تعمل على تحقيق أهداف المنشأة وإرضاء العملاء والعاملين والملاك أو المسؤولين، كالتخطيط الاستراتيجي strategic planning ، وحث العاملين على التفكير خارج الصندوق thinking outside the box، والتعاون مع جهات خارجية متخصصة outsourcing، ما هي إلا آدوات تساهم في صناعة النجاح وبالتأكيد تحقيق كافة الأهداف، إذا ما استخدمت عن دراية ووعي كافيين. فالتخطيط الاستراتيجي يهدف إلى تسخير كافة موارد المنشأة،-باقتصاد، لتحقيق الهدف الأساسي لها. والتفكير خارج الصندوق هو الأداة التي تمكن المسؤلين من الخروج بحلول جذرية مبتكرة للمشكلات، هو التفكير الإبداعي الذي يعكس روح المسؤولية التي لا تقيدها الأفكار القديمة ولا تعيقها البيروقراطية. أما الاستعانة بجهات خارجية متخصصة، يأتي من حرص المسؤول على الاستفادة من خبرات أكبر وتجارب أكثر بهدف الوصول لأدق النتائج التي تصبو إليها خطته الاستراتيجية.
بيد أنه من المحبط جدا إلباس اهمال المسؤولين في إنجاز المشاريع وتحقيق آهداف المنشأة، "برنيطة" التخطيط الاستراتيجي، طويل المدى، فيستمر المشروع تحت الإنشاء حتى بعد تعاقب المسؤوليين عليه تباعا، لا يقصيهم عنه إلا “فكرة" مشروع جديد يبدو لهم أكبر من سابقه. ولا يمكن اعتبار "برنيطة" التفكير خارج الصندوق، تمثل القرارات الخاطئة التي تصدر عن المسؤولين، ليكون من الإبداع تفادي البيروقراطية بإنشاء مكاتب وساطة مثلا، في حين أن الحل الإبداعي سيكون في اختصار العشر اجراءات إلى ضغطة زر الكترونية. وكم سيكون بعيد عن عالم الإدارة الحديثة اخفاء التخلي عن المسؤولية تحت"برنيطة" الاستعانة بجهات خارجية متخصصة، بقصد حفظ ماء وجه الإداري الذي تم تعيينه بدون سابق خبرة أو مهارة أو كفاءة. ترديد المصطلحات الرنانة في عالم الإدارة الحديثة بلغات الشعوب التي اتقنت استخدامها، لا يعني أبدا أننا نجاري تلك الشعوب في تقدمها، فإرتداء "البرانيط" لا يعكس الجد والاجتهاد في العمل.
وصول الشعوب لمصاف العالم الأول، يعتمد بشكل كبير على تحقيق أهداف منشآته بقطاعيها الخاص والحكومي. وتحقيق الأهداف يعتمد على وضوح هذه الأهداف للعاملين عليها، ويعتمد على تمرسهم وتدرجهم في اكتساب المهارات الإدارية، التي، عادة، لا تخفي عيوبها البرانيط.!
نادية العمودي
نشرت بجريدة البلاد :
http://www.albiladdaily.net/?p=309#more-309
تاريخ ٤-٧-٢٠١١م
أقوى جملة فيها خلاصة فكرتك في المقال حينما كتبتي (ترديد المصطلحات الرنانة في عالم الإدارة الحديثة بلغات الشعوب التي اتقنت استخدامها، لا يعني أبدا أننا نجاري تلك الشعوب في تقدمها، فإرتداء "البرانيط" لا يعكس الجد والاجتهاد في العمل)
ردحذففعلا.. الترديد والإرتداء والتقليد في القشور فقط بشكل سطحي لتلميع الواجهات الإدارية للشركات لا تعني شيء بتاتاً إن لم يصاحبها فعل حقيقي جاد واجتهاد. ياليت الإداريون يفهمون وترى الملمّعين منهم بألوان الإدارة الحديثة الحقيقية من غير حقيق الفعل مفضوحون.
نبغى نقرأ لك كل أسبوع حبيبتي.
دعاء إسلام