أنشئت المدونة منذ مدة .. أعتقد 3 أشهر .. كنت دائما أسأل نفسي .. ما الذي يمكن أن أكتببه هنا؟ وبأي فكرة ولأي سبب .. ما الذي أكون قد أضفته ..
لكن اليوم .. بعد تجربة خمسة أيام مضت منذ السبت 5-12-2009 إلى اليوم الأربعاء 9-12-2009 .. أجد أن برأسي ألف فكرة ... بوجهة فكر واحدة !!
أحترت من أين أبدأ .. روح التعاون الرائعة .. متعة العمل التطوعي .. ابتسامة الضمير الذي يقدم خيرا لا يقصد به إلا التأكد من رؤية ابتسامة المحتاج .. النية الطيبة التي يدعمها الله في يد الجماعة ..
أم أعكس واقع الضمير المخدر .. ابتسامة الزيف .. هول الكارثة .. منظر الدمار .. فقد الأرواح .. كسرة نفس المحتاج .. عبوس "القائمين عليها" !!
كنت في البداية بعيدة نوعا ما عن "قلب الحدث" .. وابتداء من يوم السبت المذكور طرقت "قلب الحدث" وأكتشفت أنه "موجوع" بالفعل ..
سيول مدينة جدة يوم التروية من عام 1430 هـ .. كانت مأساوية، مدمرة "لكل ما أعترض طريقها" وكأنها تعلن ثورتها على الضمير المخدر والعين التي لا تبصر .. ! مرت بواديها بعنف .. تؤنبه .. وحالها يقول: " جدة تسكت تسكت .. لكن لما يفيض بيها ، تنكت!! " كان السيل أعمى .. ولم يفرق بين الجاني والمجني عليه .. كانت المباني والمعارض والسيارات "والأرواح" تحاول إفهامه أنها "مغدور بها" وأنها " سُلبت إرادتها" و...أنها ضعيفة !!
لكن السيل كانت بصائره معمية من شدة الغضب .. أخذ ما أخذ وهدم ما هدم .. مر بطريقه كأنه "لا يرى أحد"
وبعد أيام .. هدأ غضبه !! وحاولت الأرواح ... والمباني والطرق .. أن تسعيد "وعيها المسلوب" .. وكشفت لأهل جدة رسالة عتب الأرض .. واعتراضها على "التدمير المتبرج" الذي مارسته الضمائر المخدرة عليها .. شيدت وعمرت ولمعت .. وتجاوزت كثيرا حدود الأرض .. !
وانعكست أعمالنا على "قويزة" و"كيلو 14" وغيرها من المناطق المنكوبة ..
عندما كنت هناك .. شممت رائحة اعتراض الأرض .. واستنشقت نتانة الصلاحيات التي أودت بأرواح الناس بإسم البناء والتشييد .. وعلمت جيدا أن "جدة .. زعلانة جداً" ..
كيلو 14 .. يوم السبت 5-12-2009 .. كانت تصرخ أرضه من ألم الشرخ !! .. والناس ... كان لكل منهم على الأقل فقيد أخذه السيل .. وفي عيونهم "لو كانت أسقفة منازلنا أمتن بقليل لنجونا" ، سمعت أنفاس الناس هناك تقول : " لو أنكم تدرون عنا قبل السيل ، قد نكون من الناجين اليوم " .. بأصواتهم ، كانوا يقولون لنا : "جزاكم الله خير .. وقفتكم معانا، نحتاج "لأكل" ولبطانيات" يقول أحدهم : تكسر كل البيت .. لكن الحمد لله لم يمت من أسرتي أحد .. الموت كان هنا .. بجوارنا .. توفى أصحاب هذا البيت كلهم!!.. لكن الحمد لله .. لقينا الجثث ..
الحديث عن الموت والجثث هناك، كان أمرا سهلا .. !! إنما بالنسبة لي كان مؤلما ... جدا!!
بحماسة ظهرت أثارها على كل تصرفاتي ذاك اليوم .. غطست قدمي بكل جهل في حفرة وحل !! .. لم أرد ذلك.. لكنه فجر دائرة "المشاهدة" التي كنت داخلها، حتى وأنا هناك.. !! تصورت كم هي الحقيقة مؤلمة عندما تركزت عيني في عين السيدة التي تقطن هذا المكان وتعيشه كل يوم بدون الاحترازات التي كانت تقينا من الوحل .. وليس الجهل ..
اليوم التالي .. يوم الأحد 6-12-2009 كانت زيارة قويزة .. الدمار هناك صدع كل ثابت وجرف كل متحرك .. ولم يترك نفساً إلا وأودى بها أو نكبها بفقد عزيز .. الشوارع كانت تحتضر !! والمباني تحاول التماسك .. والتكسير شمل كل "الأشياء" كلها ..!!
قويزة .. كأن الأودية تحتها تعلم أن سكناها لا ذنب لهم بانتهاك حرماتها .. كأنها كانت تحاول الاحتفاظ بهم .. خبئت جثث من ماتو بين طيات أرضها .. !! أخطأت .. بدون قصد .. ذكرتني بالمسؤول الساذج الذي يحاول كثيرا أن "يكحلها.. يعميها" .. !!
لم تحسب حساب الأرواح التي خرجت من الأجساد .. كأنها لا تعلم أن الجسد بدون "روح" قابل لتعفن وأنه وسيلة إنتكاس موقوته !!
في قويزة .. لا تحتاج أن تسأل عن الأضرار ولا عن "الموت" ، هو في كل مكان .. الضرر عم الجميع .. والموت .. كانت رائحته تؤكد تخمته من كثرة ما التهم !!
يا الله .. كم هي موجوعة جدة !! ..يا الله كم هي متألمة ... نفسي ..!!
يومي الإثنين والثلاثاء .. قضيتها في أرض المعارض .. هذا المكان الذي عكس تكاتف أهالي جدة شباب وشياب .. تكاد ترى جدران المكان تبتسم للسماء مما يحدث بينها .. ألاف .. آلاف البنات والشباب يعملون لتفادي الكارثة .. شعب جدة كله .. كله يقدم كل ما يستطيع تقديمه .. شباب يحارب الوقت لكي يتمكن من إعادة جدولة يومه بما يتناسب مع مهامه التي ينوي انجازها تطوعا لإسعاف الأسر المنكوبة ..
لا تكاد تضع قدما في المكان إلا وتلحظ أن المحرك الأساسي لكل القوى البشرية الموجودة في هذا المكان .. هي النية الطيبة ..
تبدو الحماسة في أعين الشباب والفتيات .. وفي أصوات الشياب منهم وهم يرددون عبارات التشجيع ..
تزداد الحماسة وتشتعل نشوة العمل التطوعي عند انضمام فرق مختلفة كل يوم : مدرسة ثانوية - ذوي احتياجات خاصة - كشافة - طلاب جامعات - أطباء، متطوعين من كل فئات المجتمع .. كلها بدون استثناء ..
وتجد ذاك السائق الذي يبحث بين المسؤولين عن من يسلمه ظرفا بمبلغ مالي كبير رغبة من أحد سكان جدة في أن يتبرع به ولا يريد أن يكشف عن هويته .. ويسجل الظرف بإسم فاعل خير ، أقول له يا أخي لا نقبل تبرعات نقدية هنا .. أرجو أن تزودونا بالمؤنة التي تحتاجها ... يقاطعني بعربيته البسيطة ونظرة عينه السعيدة "بعمه" الذي أرسله يقول "ما يعرف أنا مؤنة .. إنت جيب" أرد : دعني أحدث مرسلك .. يرد علي بسرعه "لا لا ما جيب اسم عمي" أطلب منه أن يطلبه بهاتفه الجوال لأتمكن فقط من توضيح الصورة ،يوافق .. أشكر بشدة "فاعل الخير" على روح التعاون ، أضعه في الصورة .. يزودنا بعد ساعات بكراتين من كل النواقص التي تحتاجها الأسر .. هذا أحد المواقف الذي أثر كثيرا في نفسي .. "أهل جدة .. فعلا أهل الرخا والشدة" ..
وصول جمعية إرادة لذوي الاحتياجات الخاصة .. أيضا .. ترك في نفسي أثراً مميزا جدة ..
تعاون الشباب والفتيات الذي يعكس سموهم بالفعل ... رائع ...
لا يخلو المكان طبعا من "السلبيات" .. مواقف الاختلاف أحيانا .. توتر روح الشباب التي تسعى بكل طاقتها للعمل .. متناسية أن لنفسها عليها حق! إن لم يعطى تضرر من حوله ..
أكثر السلبيات ازعاجا لروح الانسانية الموجودة بين تلك الجدران ، التشكيك في نقاء ضمائرهؤلاء الشباب والفتيات وتشويه مجهوداتهم تحت شعارات غريبة وأفكار نخرها السوس .. يعلق متبنيها تبريراته على شماعة الدين، البرئ من سوس تلك الأفكار .. !
الأربعاء .. كأني أصبحت لا أحب أيام الأربعاء .. هذا اليوم .. يبدو أني قد رأيت مما رأيت وسمعت مما سمعت ما فجر في رأسي وجهات الفكر المختلفة .. أجد أنه لم تتبلور لدي الأمور .. بدأت أشعر أن حجم الكارثة أكبر منا .. أكبر مني ..وجدت أني أتألم جدا لسماع صوت الاحتياج في كل ما هو حول هذه الأسر .. كأني أرى المرض حولهم والجوع بينهم والحزن في أعينهم ... بدأت أُصّغر كل مجهوداتي .. وأراني .. لا شيء .. أرى أن الناس تحتاج معجزة .. وأنا لست معجزة !! ..هل من المعقول أن تُصنع المعجزة .؟ ... كثيرا .. اسودت الرؤية أمامي وامتلئت حنجرتي بالبكاء الذي لن أسمح له بالمرور .. !!
استكثرت البكاء على نفسي .. وكأني رأيت من استهلكه الأيام الماضية من سكان قويزة وكيلو 14 .. أحق مني به !! ..
غدا الخميس .. أسأل الله بنية الناس الطيبة وبتكاتفهم المنقطع النظير "معجزة" .. تغسل جدة .. من كل جروحها .. ومن أورامها الخبيثة أيضاً ..
selem lesanik w galamek w galbik 7abiibtiii
ردحذفYours;
Ebtisam Labib
Allah ya3teekom alf 3afya.. you are doing a great job and as you said at the begining.. al neyya al tayeba
ردحذفAllah yek3loo fi mezaan 7asanaaatkom w yer7am w yesabber el jamee3
Ayla
أسأل الله بنية الناس الطيبة وبتكاتفهم المنقطع النظير "معجزة" .. تغسل جدة .. من كل جروحها .. ومن أورامها الخبيثة أيضاً ..
ردحذفياااااااااارب يا نادية ،، جده ترجع بالحب والإيمان قوية ومتماسكة ،،
شكرا ً لكلماتك ومشاعرك التي أثرت شجون دموعي التي غرقت
مع سيول جده،، ولم تجف بعد،،
//
\\
لؤا صفدر
جدة رغم الألم التي يعتصرها هناك أمل يحييها
ردحذفجدة رغم الشدة هناك همة
جدة رغم السرقات التي استنزفتها هناك أيدي أمينة تحتضنها.
جدة رغم تيتمها هناك من يتبناها ويرعاها
جدة رغم بكاء أهلها على مفقوديها هناك ذوي الهمم سيوقدوا الهمة على أرضك يا جدة.
أحبك يا جدة
شكرا نادية على هذه اليوميات نقلتي إلي بعض ما كنت أفتقد إليه ....!
شكرا لشبابنا وفتياتنا على همتهم
رب همة أحيت أمة
تحياتي
غادة غوث
info@hemam.net
شكرا يا نادية على كلماتك المؤثرة
ردحذفالله يكتب لكم المثوبة والأجر ويصبر المنكوبين في مصابهم
دينا حنبظاظة
صدقت يا نادية , جده و اهلها كلهم زعلانين من اللي صار ...
ردحذفبس اكتشفنا حقائق مثيرة , روح الشباب و روح المساعدة ,, الكل حابب يمد يده و يساعد الكل مستعد يقدم اي نوع من انواع المساعدات العينية و المادية....
الله يجمعنا عالخير و يرحم ارواح جده ...